الثانية باكالوريا | الفلسفة | مفهوم الغير
موقف دیكارت : كان أول فیلسوف حاول إقامة مفارقة بین الأنا الفردیة الواعیة وبین الغیر ؛ حیث أراد دیكارت لنفسھ أن یعیش عزلة إبستیمیة، رافضا كل استعانة بالغیر في أثناء عملیة الشك. فرفض الموروث من المعارف، واعتمد على إمكاناتھ الذاتیة، لأنھ یرید أن یصل إلى ذلك الیقین العقلي الذي یتصف بالبداھة والوضوح والتمیز... فوجود الغیر في إدراك الحقیقة لیس وجودا ضروریا، ومن ثمة یمكن أن نقول : إن تجربة الشك التي عاشھا دیكارت تمت من خلال إقصاء الغیر... والاعتراف بالغیر لا یأتي إلا من خلال قوة الحكم العقلي حیث یكون وجود الغیر وجودا استدلالیا.
موقف ھیجل : تجاوز ھذا الشعور السلبي بوجود الغیر، لأنھ رأى أن الذات حینما تنغمس في الحیاة لا یكون وعیھا وعیا للذات، وإنما نظرة إلى الذات باعتبارھا عضویة. فوعي الذات لنفسھا ـ في اعتقاد ھیجل ـ یكون من خلال اعتراف الغیر بھا. وھذه عملیة مزدوجة یقوم بھا الغیر كما تقوم بھا الذات. واعتراف أحد الطرفین بالآخر لابد أن ینتزع. ھكذا تدخل الأنا في صراع حتى الموت مع الغیر، وتستمر العلاقة بینھما في إطار جدلیة العبد والسید. ھكذا یكون وجود الغیر بالنسبة إلى الذات وجودا ضروریا.
موقف سارتر : یرى الغیر ما ھو إلا أنا آخر، أي كأنا مماثل لأناي، إلا أنھ مستقل عنھ، لكن وجود الغیر ھو كذلك نفي لأناي،من حیث ھو مركز للعالم.ویترتب على وجود الغیر ھذا نتائج ھامة وحاسمة لا على مستوى أناي فحسب، بل على مستوى علاقتي مع العالم الخارجي.
إن ما سبق یظھر التناقض الحاصل بین التمثلین الدیكارتي والھیجلي؛ ففي الوقت الذي یقصي فیھ دیكارت وجود الغیر، یعتبره ھیجل وجودا ضروریا. وھذا یتولد عنھ السؤال التالي : ھل معرفة الغیر ممكنة ؟ وكیف تتم معرفتھ؟
موقف سارتر : یطرح العلاقة المعرفیة بین الأنا والغیر في إطار فینومینولوجي (ظاھراتي) فالغیر في اعتقاده ھو ذلك الذي لیس ھو أنا، ولست أنا ھو ". وفي حالة وجود علاقة عدمیة بین الأنا والغیر، فإنھ لا یمكنھ " أن یؤثر في كینونتي بكینونتھ "، وفي ھذه الحالة ستكون معرفة الغیر غیر ممكنة. لكن بمجرد الدخول في علاقة معرفیة مع الغیر معناه تحویلھ إلى موضوع (أي تشییئھ) : أي أننا ننظر إلیھ كشيء خارج عن دواتنا ونسلب منھ جمیع معاني الوعي والحریة والإرادة والمسؤولیة. وھذه العلاقة متبادلة بین الأنا والغیر : فحین أدخل في مجال إدراك الآخر، فإن نظرتھ إلي تقیدني وتحد من حریتي وتلقائیتي، لأنني أنظر إلى نفسي نظرة الآخر إلي ؛ إن نظرة الغیر إلي تشیئني، كما تشیئھ نظرتي إلیھ. ھكذا تبدو كینونة الغیر متعالیة عن مجال إدراكنا ما دامت معرفتنا للغیر معرفة انطباعیة حسیة.
موقف میرلوبونتي: لھ موقف آخر إذ یرى أن نظرة الغیر لا تحولني إلى موضوع، كما لا تحولھ نظرتي إلى موضوع " ؛ إلا في حالة واحدة وھي أن ینغلق كل واحد في ذاتھ وتأملاتھ الفردیة. مع العلم أن ھذا الحاجز یمكن تكسیره بالتواصل، فبمجرد أن تدخل الذات في التواصل مع الغیر حتى تكف ذات الغیر عن التعالي عن الأنا، ویزول بذلك العائق الذي یعطي للغیر صورة عالم یستعصي بلوغھ.
موقف كانط : یرى أن علاقة الصداقة ھي أسمى وأنبل العلاقات الإنسانیة لأنھا قائمة على الاحترام المتبادل. وأساسھا الإرادة الأخلاقیة الخیرة. فالصداقة باعتبارھا واجبا أخلاقیا، تشترط وجود المساواة وعلاقة التكافؤ، وھي أیضا نقطة تماس بین الحب والاحترام. وھذا ما یمنح الإنسان توازنھ وعدم الإفراط سواء في الاحترام أو الحب.
موقف أفلاطـون : فیعتبر أن علاقة الصداقة تنبثق من الحالة الوجودیة الوسط التي تطبع وجود الإنسان، وھي حالة وسط بین الكمال المطلق والنقص المطلق تدفع الإنسان إلى البحث الدائم عما یكملھ في علاقتھ مع الآخرین... فالكمال الأقصى یجعل الإنسان في حالة اكتفاء ذاتي لا یحتاج فیھا إلى الغیر، وفي حالة النقص المطلق تنعدم لدیھ الرغبة في طلب الكمال والخیر. من ھنا تقوم الصداقة كعلاقة محبة متبادلة یبحث فیھا الأنا عما یكملھ في الغیر، یتصف فیھا كل طرف بقدر كاف من الخیر أو الكمال یدفعھ إلى طلب كمال أسمى، وبقدر من النقص الذي لا یحول دون طلب الكمال .

تعليقات
إرسال تعليق